فصل: صِفَةُ خَمْرِ الْجَنّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.الضّحِكُ مِنْ صِفَاتِ اللّهِ الْفِعْلِيّةِ وَكَذَلِكَ النّزُولُ وَغَيْرُهُمَا:

وَقَوْلُهُ فَيَظَلّ يَضْحَكُ هُوَ مِنْ صِفَاتِ أَفْعَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الّتِي لَا يُشْبِهُهُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ كَصِفَاتِ ذَاتِهِ وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الصّفَةُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ لَا سَبِيلَ إلَى رَدّهَا كَمَا لَا سَبِيلَ إلَى تَشْبِيهِهَا وَتَحْرِيفِهَا وَكَذَلِكَ فَأَصْبَحَ رَبّك يَطُوفُ فِي الْأَرْضِ هُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ كَقَوْلِهِ: {وَجَاءَ رَبّكَ وَالْمَلَكُ} {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبّكَ} ويَنْزِلُ رَبّنَا كُلّ لَيْلَةٍ إلَى السّمَاءِ الدّنْيَا ويَدْنُو عَشِيّةَ عَرَفَةَ فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْمَوْقِفِ الْمَلَائِكَةَ وَالْكَلَامُ فِي الْجَمِيعِ صِرَاطٌ وَاحِدٌ مُسْتَقِيمٌ إثْبَاتٌ بِلَا تَمْثِيلٍ وَتَنْزِيهٌ بِلَا تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ.

.مَوْتُ الْمَلَائِكَةِ:

وَقَوْلُهُ وَالْمَلَائِكَةُ الّذِينَ عِنْدَ رَبّك: لَا أَعْلَمُ مَوْتَ الْمَلَائِكَةِ جَاءَ فِي حَدِيثٍ صَرِيحٍ إلّا هَذَا وَحَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ الطّوِيل وَهُوَ حَدِيثُ الصّوَرِ {وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلّا مَنْ شَاءَ اللّهُ} [الزّمَرِ 68].

.جَوَازُ الْإِقْسَامِ بِصِفَاتِ اللّهِ:

وَقَوْلِهِ فَلَعُمْرُ إلَهِك هُوَ قَسَمٌ بِحَيَاةِ الرّبّ جَلّ جَلَالُهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِقْسَامِ بِصِفَاتِهِ وَانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا وَأَنّهَا قَدِيمَةٌ وَأَنّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مِنْهَا أَسْمَاءُ الْمَصَادِرِ وَيُوصَفُ بِهَا وَذَلِكَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرّدِ الْأَسْمَاءِ وَأَنّ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى مُشْتَقّةٌ مِنْ هَذِهِ الْمَصَادِرِ دَالّةٌ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ ثُمّ تَجِئْ الصّائِحَةُ هِيَ صَيْحَةُ الْبَعْثِ وَنَفْخَتُهُ. وَقَوْلُهُ حَتّى يَخْلُفَهُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ هُوَ مِنْ أَخْلَفَ الزّرْعُ إذَا نَبَتَ بَعْدَ حَصَادِهِ شِبْهَ النّشْأَةِ الْآخِرَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِإِخْلَافِ الزّرْعِ بَعْدَ مَا حُصِدَ وَتِلْكَ الْخِلْفَةُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ كَمَا يَنْبُتُ الزّرْعُ. وَقَوْلُهُ فَيَسْتَوِي جَالِسًا هَذَا عِنْدَ تَمَامِ خِلْقَتِهِ وَكَمَالِ حَيَاتِهِ ثُمّ يَقُومُ بَعْدَ جُلُوسِهِ قَائِمًا ثُمّ يُسَاقُ إلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ إمّا رَاكِبًا وَإِمّا مَاشِيًا. وَقَوْلُهُ يَقُولُ يَا رَبّ أَمْسِ الْيَوْمَ اسْتِقْلَالٌ لِمُدّةِ لُبْثِهِ فِي الْأَرْضِ كَأَنّهُ لَبِثَ فِيهَا يَوْمًا فَقَالَ أَمْسِ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَقَالَ الْيَوْمَ يَحْسَبُ أَنّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِأَهْلِهِ وَأَنّهُ إنّمَا فَارَقَهُمْ أَمْسِ أَوْ الْيَوْمَ. وَقَوْلُهُ كَيْفَ يَجْمَعُنَا بَعْدَ مَا تَمْرُقُنَا الرّيَاحُ وَالْبِلَى وَالسّبَاع وَإِقْرَارُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُ عَلَى هَذَا السّؤَالِ رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنّ الْقَوْمَ لَمْ يَكُونُوا يَخُوضُونَ فِي دَقَائِقِ الْمَسَائِلِ وَلَمْ يَكُونُوا يَفْهَمُونَ حَقَائِقَ الْإِيمَانِ بَلْ كَانُوا مَشْغُولِينَ بِالْعَمَلِيّاتِ وَأَنّ أَفْرَاخَ الصّابِئَةِ وَالْمَجُوسِ مِنْ الْجَهْمِيّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيّةِ أَعْرَفُ مِنْهُمْ بِالْعِلْمِيّاتِ.

.كانَ الصّحَابَةُ يُورِدُونَ عَلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَالشّبُهَات:

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ كَانُوا يُورِدُونَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَالشّبُهَاتِ فَيُجِيبُهُمْ عَنْهَا بِمَا يُثْلِجُ صُدُورَهُمْ وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَسْئِلَةَ أَعْدَاؤُهُ وَأَصْحَابُهُ أَعْدَاؤُهُ لِلتّعَنّتِ وَالْمُغَالَبَةِ وَأَصْحَابُهُ لِلْفَهْمِ وَالْبَيَانِ وَزِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَهُوَ يُجِيبُ كُلّا عَنْ سُؤَالِهِ إلّا مَا لَا جَوَابَ عَنْهُ كَسُؤَالِهِ عَنْ وَقْتِ سَمّاهُ فِي كِتَابِهِ كَذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ أُنَبّئُك بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللّهِ آلَاؤُهُ نِعَمُهُ وَآيَاتُهُ الّتِي تَعَرّفَ بِهَا إلَى عِبَادِهِ. وَفِيهِ إثْبَاتُ الْقِيَاسِ فِي أَدِلّةِ التّوْحِيدِ وَالْمُعَادِ وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْهُ.

.حُكْمُ الشّيْءِ حُكْمُ نَظِيرِهِ:

وَفِيهِ أَنّ حُكْمَ الشّيْءِ حُكْمُ نَظِيرِهِ وَأَنّهُ سُبْحَانَهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ فَكَيْفَ تَعْجِزُ قُدْرَتُهُ عَنْ نَظِيرِهِ وَمِثْلِهِ؟ فَقَدْ قَرّرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَدِلّةَ الْمُعَادِ فِي كِتَابِهِ أَحْسَنَ تَقْرِيرٍ وَأَبْيَنَهُ وَأَبْلَغَهُ وَأَوْصَلَهُ إلَى الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ فَأَبَى أَعْدَاؤُهُ الْجَاحِدُونَ إلّا تَكْذِيبًا لَهُ وَتَعْجِيزًا لَهُ وَطَعْنًا فِي حِكْمَتِهِ تَعَالَى عَمّا يَقُولُونَ عُلُوّا كَبِيرًا. وَقَوْلُهُ فِي الْأَرْضِ أَشْرَفْت عَلَيْهَا وَهِيَ مَدَرَةٌ بَالِيَةٌ هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الرّومِ: 19]. وَقَوْلِهِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزّتْ وَرَبَتْ إِنّ الّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فُصّلَتْ 39] وَنَظَائِرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ. وَقَوْلُهُ فَتَنْظُرُونَ إلَيْهِ وَيَنْظُرُ إلَيْكُم فِيهِ إثْبَاتُ صِفَةِ النّظَرِ لِلّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِثْبَاتُ رُؤْيَتِهِ فِي الْآخِرَةِ. وَقَوْلُهُ كَيْفَ وَنَحْنُ مِلْءُ الْأَرْضِ وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ قَدْ جَاءَ هَذَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَفِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللّهِ وَالْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا قَوْمٌ عَرَبٌ يَعْلَمُونَ الْمُرَادَ مِنْهُ وَلَا يَقَعُ فِي قُلُوبِهِمْ تَشْبِيهُهُ سُبْحَانَهُ بِالْأَشْخَاصِ بَلْ هُمْ أَشْرَفُ عُقُولًا وَأَصَحّ أَذْهَانًا وَأَسْلَمُ قُلُوبًا مِنْ ذَلِكَ وَحَقّقَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وُقُوعَ الرّؤْيَةِ عِيَانًا بِرُؤْيَةِ الشّمْسِ وَالْقَمَرِ تَحْقِيقًا لَهَا وَنَفْيًا لِتَوَهّمِ الْمَجَازِ الّذِي يَظُنّهُ الْمُعَطّلُونَ.

.إثْبَاتُ صِفَةِ الْيَدِ لِلّه:

وَقَوْلُهُ فَيَأْخُذُ رَبّك بِيَدِهِ غَرْفَةً مِنْ الْمَاءِ فَيَنْضَحُ بِهَا قَبْلَكُم فِيهِ إثْبَاتُ صِفَةِ وَقَوْلُهُ ثُمّ يَنْصَرِفُ نَبِيّكُمْ هَذَا انْصِرَافٌ مِنْ مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ إلَى الْجَنّةِ. وَقَوْلُهُ وَيُفَرّقُ عَلَى أَثَرِهِ الصّالِحُون أَيْ يَفْزَعُونَ وَيَمْضُونَ عَلَى أَثَرِهِ.

.هَلْ الْحَوْضُ قَبْلَ الصّرَاط؟

وَقَوْلُهُ فَتَطّلِعُونَ عَلَى حَوْضِ نَبِيّكُمْ ظَاهِرُ هَذَا أَنّ الْحَوْضَ مِنْ وَرَاءِ الْجِسْرِ فَكَأَنّهُمْ لَا يَصِلُونَ إلَيْهِ حَتّى يَقْطَعُوا الْجِسْرَ وَلِلسّلَفِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقُرْطُبِيّ فِي تَذْكِرَتِهِ وَالْغَزَالِيّ وَغَلّطَا مَنْ قَالَ إنّهُ بَعْدَ الْجِسْرِ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ: عَنْ أبِي هُرَيْرَة. أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ عَلَى الْحَوْضِ إذَا زُمْرَةٌ حَتّى إذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ هَلُمّ فَقُلْتُ إلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ إلَى النّارِ وَاَللّهِ قُلْتُ مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ إنّهُمْ ارْتَدّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ فَلَا أَرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إلّا مِثْلُ هَمَلِ النّعَمِ قَالَ فَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ صِحّتِهِ أَدَلّ دَلِيلٍ عَلَى أَنّ الْحَوْضَ يَكُونُ فِي الْمَوْقِفِ قَبْلَ الصّرَاطِ لِأَنّ الصّرَاطَ إنّمَا هُوَ جِسْرٌ مَمْدُودٌ عَلَى جَهَنّمَ فَمَنْ جَازَهُ سَلِمَ مِنْ النّارِ. قُلْتُ وَلَيْسَ بَيْنَ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَعَارُضٌ وَلَا تَنَاقُضٌ وَلَا اخْتِلَافٌ وَحَدِيثُهُ كُلّهُ يُصَدّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ إنْ أَرَادُوا أَنّ الْحَوْضَ لَا يُرَى وَلَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلّا بَعْدَ قَطْعِ الصّرَاطِ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَغَيْرُهُ يَرُدّ قَوْلَهُمْ وَإِنْ أَرَادُوا أَنّ الْمُؤْمِنِينَ إذَا جَازُوا الصّرَاطَ وَقَطَعُوهُ بَدَا لَهُمْ الْحَوْضُ فَشَرِبُوا مِنْهُ فَهَذَا يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيثُ لَقِيطٍ هَذَا وَهُوَ لَا يُنَاقِضُ كَوْنَهُ قَبْلَ الصّرَاطِ فَإِنّ قَوْلَهُ طُولُهُ شَهْرٌ وَعَرْضُهُ شَهْرٌ فَإِذَا كَانَ بِهَذَا الطّولِ وَالسّعَةِ فَمَا الّذِي يُحِيلُ امْتِدَادَهُ إلَى وَرَاءِ الْجِسْرِ فَيَرِدُهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبْلَ الصّرَاطِ وَبَعْدَهُ فَهَذَا فِي حَيّزِ الْإِمْكَانِ وَوُقُوعُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى خَبَرِ الصّادِقِ وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ- وَاللّهُ عَلَى أَظْمَأَ- نَاهِلَةٍ قَطّ النّاهِلَةُ الْعِطَاشُ الْوَارِدُونَ أَظْمَأَ مَا هُمْ إلَيْهِ وَهَذَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الصّرَاطِ فَإِنّهُ جِسْرُ النّارِ وَقَدْ وَرَدُوهَا كُلّهُمْ فَلَمّا قَطَعُوهُ اشْتَدّ ظَمَؤُهُمْ إلَى الْمَاءِ فَوَرَدُوا حَوْضَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا وَرَدُوهُ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ. وَقَوْلُهُ تَخْنِسُ الشّمْسُ وَالْقَمَر أَيْ تَخْتَفِيَانِ فَتَحْتَبِسَانِ وَلَا يُرَيَانِ. وَالِاخْتِنَاسُ التّوَارِي وَالِاخْتِفَاءُ. وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ مَا بَيْنَ الْبَابَيْنِ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ عَامًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنّ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالْبَابِ هَذَا الْمِقْدَارُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْبَابَيْنِ الْمِصْرَاعَيْنِ وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا مَا جَاءَ مِنْ تَقْدِيرِهِ بِأَرْبَعِينَ عَامًا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: إنّهُ لَمْ يُصَرّحْ فِيهِ رَاوِيهِ بِالرّفْعِ بَلْ قَالَ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ عَامًا.
وَالثّانِي: إنّ الْمَسَافَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سُرْعَةِ السّيْرِ فِيهَا وَبُطْئِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.صِفَةُ خَمْرِ الْجَنّةِ:

وَقَوْلُهُ فِي خَمْرِ الْجَنّةِ أَنّهُ مَا بِهَا صُدَاعٌ وَلَا نَدَامَةٌ تَعْرِيضٌ بِخَمْرِ الدّنْيَا وَمَا يَلْحَقُهَا مِنْ صُدَاعِ الرّأْسِ وَالنّدَامَةِ عَلَى ذَهَابِ الْعَقْلِ وَالْمَالِ وَحُصُولِ الشّرّ الّذِي يُوجِبُهُ زَوَالُ الْعَقْلِ. وَالْمَاءُ غَيْرُ الْآسِنِ هُوَ الّذِي لَمْ يَتَغَيّرْ بِطُولِ مُكْثِهِ.

.هَلْ تَلِدُ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَنّةِ؟

وَقَوْلُهُ فِي نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ غَيْرَ أَنْ لَا تَوَالُدَ قَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ هَلْ تَلِدُ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَنّةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَكُونُ فِيهَا حَبَلٌ وَلَا وِلَادَةٌ وَاحْتَجّتْ هَذِهِ الطّائِفَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِحَدِيثٍ آخَرَ أَظُنّهُ فِي الْمُسْنَدِ وَفِيهِ غَيْرَ أَنْ لَا مَنِيّ وَلَا مَنِيّة وَأَثْبَتَتْ طَائِفَةٌ مِنْ السّلَفِ الْوِلَادَةَ فِي الْجَنّةِ وَاحْتَجّتْ بِمَا رَوَاهُ التّرْمِذِيّ فِي أَبِي الصّدّيقِ النّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «الْمُؤْمِنُ إذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي» قَالَ التّرْمِذِيّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. قَالَتْ الطّائِفَةُ الْأُولَى: هَذَا لَا يَدُلّ عَلَى وُقُوعِ الْوِلَادَةِ فِي الْجَنّةِ فَإِنّهُ عَلّقَهُ بِالشّرْطِ فَقَالَ إذَا اشْتَهَى وَلَكِنّهُ لَا يَشْتَهِي وَهَذَا تَأْوِيلُ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ حَكَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْهُ. قَالُوا: وَالْجَنّةُ دَارُ جَزَاءٍ عَلَى الْأَعْمَالِ وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مَنْ أَهْلِ الْجَزَاءِ قَالُوا: وَالْجَنّةُ دَارُ خُلُودٍ لَا مَوْتَ فِيهَا فَلَوْ تَوَالَدَ فِيهَا أَهْلُهَا عَلَى الدّوَامِ وَالْأَبَدِ لَمَا وَسِعَتْهُمْ وَإِنّمَا وَسِعَتْهُمْ الدّنْيَا بِالْمَوْتِ. وَأَجَابَتْ الطّائِفَةُ الْأُخْرَى عَنْ ذَلِكَ كُلّهِ وَقَالَتْ إذًا إنّمَا تَكُونُ لِمُحَقّقِ الْوُقُوعِ لَا الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَقَدْ صَحّ أَنّهُ سُبْحَانَهُ يُنْشِئُ لِلْجَنّةِ خَلْقًا يُسْكِنُهُمْ إيّاهَا بِلَا عَمَلٍ مِنْهُمْ قَالُوا: وَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا فِيهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ. وَأَمّا حَدِيثُ سِعَتِهَا: فَلَوْ رُزِقَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ آلَافٍ مِنْ الْوَلَدِ وَسِعَتْهُمْ فَإِنّ أَدْنَاهُمْ مَنْ يَنْظُرُ فِي مِلْكِهِ مَسِيرَةَ أَلْفَيْ عَامٍ. وَقَوْلُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقْصَى مَا نَحْنُ بَالِغُونَ وَمُنْتَهُونَ إلَيْهِ لَا جَوَابَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنّهُ إنْ أَرَادَ أَقْصَى مُدّةِ الدّنْيَا وَانْتِهَائِهَا فَلَا يَعْلَمُهُ إلّا اللّهُ وَإِنْ أَرَادَ أَقْصَى مَا نَحْنُ مُنْتَهُونَ إلَيْهِ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنّةِ وَالنّارِ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الِانْتِهَاءُ إلَى نَعِيمٍ وَجَحِيمٍ وَلِهَذَا لَمْ يُجِبْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَقَوْلُهُ فِي عَقْدِ الْبَيْعَةِ وَزِيَالِ الْمُشْرِك أَيْ مُفَارَقَتُهُ وَمُعَادَاتُهُ فَلَا لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ.

.مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا قَبْلَ الْبِعْثَةِ فَهُوَ فِي النّارِ:

وَقَوْلُهُ حَيْثُمَا مَرَرْت بِقَبْرِ كَافِرٍ فَقُلْ أَرْسَلَنِي إلَيْك مُحَمّدٌ هَذَا إرْسَالُ تَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ لَا تَبْلِيغِ أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سَمَاعِ أَصْحَابِ أَهْلِ الْقُبُورِ كَلَامَ الْأَحْيَاءِ وَخِطَابَهُمْ لَهُمْ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنّ مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا فَهُوَ فِي النّارِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ لِأَنّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا قَدْ غَيّرُوا الْحَنِيفِيّةَ دِينَ إبْرَاهِيمَ وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا الشّرْكَ وَارْتَكَبُوهُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ حُجّةٌ مِنْ اللّهِ بِهِ وَقُبْحُهُ وَالْوَعِيدُ عَلَيْهِ بِالنّارِ لَمْ يَزَلْ مَعْلُومًا مِنْ دِينِ الرّسُلِ كُلّهِمْ مِنْ أَوّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ وَأَخْبَارُ عُقُوبَاتِ اللّهِ لِأَهْلِهِ مُتَدَاوَلَةٌ بَيْنَ الْأُمَمِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ فَلِلّهِ الْحُجّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كُلّ وَقْتٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلّا مَا فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ رُبُوبِيّتِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَوْحِيدِ إلَهِيّتِهِ وَأَنّهُ يَسْتَحِيلُ فِي كُلّ فِطْرَةٍ وَعَقْلٍ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إلَهٌ آخَرُ وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ لَا يُعَذّبُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ وَحْدَهَا فَلَمْ تَزَلْ دَعْوَةُ الرّسُلِ إلَى التّوْحِيدِ فِي الْأَرْضِ مَعْلُومَةً لِأَهْلِهَا فَالْمُشْرِكُ يَسْتَحِقّ الْعَذَابَ بِمُخَالَفَتِهِ دَعْوَةَ الرّسُلِ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ النّخْعِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ النّخْعِ وَهُمْ آخِرُ الْوُفُودِ قُدُومًا عَلَيْهِ فِي نِصْفِ الْمُحَرّمِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ فَنَزَلُوا دَارَ الْأَضْيَافِ ثُمّ جَاءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقِرّينَ بِالْإِسْلَامِ وَقَدْ كَانُوا بَايَعُوا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ زُرَارَةُ بْنُ عَمْرٍو يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي رَأَيْتُ فِي سَفَرِي هَذَا عَجَبًا قَالَ وَمَا قَالَ رَأَيْتُ أَتَانًا تَرَكْتُهَا فِي الْحَيّ كَأَنّهَا وَلَدَتْ جَدْيًا أَسْفَعَ أَحْوَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ تَرَكْتَ أَمَةً لَكَ مُصِرّةً عَلَى حَمْلٍ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنّهَا قَدْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَهُوَ ابْنُكَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَمَا بَالُهُ أَسْفَعَ أَحْوَى؟ فَقَالَ اُدْنُ مِنّي فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ هَلْ بِكَ مِنْ بَرَصٍ تَكْتُمُهُ؟ قَالَ وَاَلّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ مَا عَلِمَ بِهِ أَحَدٌ وَلَا اطّلَعَ عَلَيْهِ غَيْرُك قَالَ فَهُوَ ذَلِكَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَرَأَيْتُ النّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ عَلَيْهِ قُرْطَانِ مُدَمْلَجَانِ وَمَسْكَتَانِ قَالَ ذَلِكَ مَلِكُ الْعَرَبِ رَجَعَ إلَى أَحْسَنِ زِيّهِ وَبَهْجَتِهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَرَأَيْتُ عَجُوزًا شَمْطَاءَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ الْأَرْضِ.
قَالَ تِلْكَ بَقِيّةُ الدّنْيَا قَالَ وَرَأَيْتُ نَارًا خَرَجَتْ مِنْ الْأَرْضِ فَحَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنٍ لِي يُقَالُ لَهُ عَمْرٌو وَهِيَ تَقُولُ لَظَى لَظَى بَصِيرٌ وَأَعْمَى أَطْعِمُونِي آكُلُكُمْ أَهْلَكُمْ وَمَالَكُمْ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تِلْكَ فِتْنَةٌ تَكُونُ فِي آخِرِ الزّمَانِ. قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا الْفِتْنَةُ؟ قَالَ يَقْتُلُ النّاسُ إمَامَهُمْ وَيَشْتَجِرُونَ اشْتِجَارَ أَطْبَاقِ الرّأْسِ. وَخَالَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ- يَحْسَبُ الْمُسِيءُ فِيهَا أَنّهُ مُحْسِنٌ- وَيَكُونُ دَمُ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الْمُؤْمِنِ فِيهَا أَحْلَى مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ إنْ مَاتَ ابْنُكَ أَدْرَكْتَ الْفِتْنَةَ وَإِنْ مُتّ أَنْتَ أَدْرَكَهَا ابْنُك فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ أَنْ لَا أُدْرِكَهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ لَا يُدْرِكْهَا فَمَاتَ وَبَقِيَ ابْنُهُ وَكَانَ مِمّنْ خَلَعَ عُثْمَانَ.